
لمست ما لمسته في حياتي وطويت مرارات ما عدت أحتمل أن تمر بي ولو للحظة, ولكنك بالأمس أعدتها بهمس خفي قد أتت عبر رسالة, كادت أن تفطر قلبي بل مزقته ولكني ارتديت الصمت و الهدوء, أقمت صلاتي وبداخلي قلق حيث وجعي بلا جسد سيكتبني , لن أتحدث أكثر عن رحيل الأيام الصعبة التي غادرتني, ولن أتحدث عن تراتيل الجرح أو عن قمة قلمي المبتل بالتعب, بل سأترك كل ذلك لجعبتي وعينيك, هجرت ركني القابع في مكتبتي وتركت له موعدا إنني قادمة, أتيتكم هذه المرة وأنا احمل حقيبة كونية ملأتها من كل معاجم لغات القهر وتسللت فجرا إلى محرابي أسترق السمع لترانيم وجعي, هنا علي أن أتساءل من أي سماوات بل من أي أراضي تجتاحني هذه الهواجس والأوجاع دون أن استحقها؟
من أين أبدأ خطواتي هنا لأفر من روحي إلى روحي! ولأني صاحبة قلم شفاف سأصنع من الكتابة فرحا رغم وجعي, هناك أسئلة تقلقني من أين أبدأ وما الذي أضيفه, أريد من إحساسي وصدقي وطهري أن يفصح عن جرأة, يمكن أن تغير ما بداخلي بإرادة جبارة ترفض القهر والسهر وتعشق الطهر والمطر وحتى العطر, وأيضا بيني وبينك يا قطيف شجن يطول ولا يقصر.
هنا في نفسي إذ تمتلكني فكرة ورثتها منذ زمن بعيد, بعدم اقتحام قدسية الآخرين وخصوصياتهم دون إذن واحترام وحدة الإنسان وطقوسه, إلا إن هناك شيء ما قد أرغمني على كسر وتجاوز تلك الفكرة, لا أدرك حقا أكان هذا هو الفضول أم الحاجة لألتحم مع نفسي وروحي, لا اعلم ولكنني قررت الإقدام فأقدمت وهذا ما كان, أعذروني هنا غصتُ بدمعة مكابرة قد خشعت في محراب خذي.
تساءلت ووضعت رأسي على قامة إحدى نخلات القطيف علها تمتص غضبي واستيائي, قد يستغرب القارئ شفافيتي وهذا الشجن الممتلئ ولعلني أخذته من القطيف الأم, حيث ارتجف قلبي ولكن لساني أصر أن يسرد بعض أوجاعي, رغم صدقي إلا إن القهر يترنح على مفرداته بلوعة عميقة هي الجراح, لا أنام رغم نعاسي ليلا فقط أنتظر التقاء الصباح حيث هناك ما هو أجمل فأساءوا ما قصدته, أرجوا بداية ليل جديد أن تدوم دون رحيل فأنا أخشى هكذا نهايات, لا أحد يدرك بأني لا أملك سوى قلب عصفور صغير وأدواتي هي كلماتي وبحة صوتي, وهناك ثمة ألم يبقى ساكنا بين حروفي يلجم حركة أصابعي ويدفعني للكتابة أكثر أحيانا أخرى.
ذات مساء في بلد الضباب كنت وزوجي وكمية مطر فلتت من نافذة الفندق بحثا عن مرايا شمس مبلولة الأهداب, وذات مساء آخر ليس ببعيد ومن بين أصابع القطيف أينعت من توهج النخيل وذكريات الماضي, وهذا ما شكٌل الجمال أسرار الخجل في منطقة الروح وهنا أعلن وبصدق, مقالاتي كلها أنا حيث القطيف باذخة الجمال دون شك وأود أن أؤكد ما زلت أكتب للجرح, ولا أبالغ لو قلت إن العصافير قد أعلنت الحداد لجرحي, وسأحاول أن أوزع قلبي على جزر الخيال, ثمة حزن يشع فرحا أو فرح يشع حزن.
قلت لأبحث عن عذر فما وجدت أسبابا وأنا لا أقول شيئا حيث اعرف ذلك بحجم هطول المطر, وسيتقن المطر الذي نسى دوره قليلا, حيث إحساسي يمنحني معرفة البعض ينهمرون مطرا حنونا وأيضا كنت أعتقد بحاجتك كاحتياجي للمطر, أهو أول المطر أم آخره؟ ولكني سأغفو على زخات المطر وأتوسل إلى ربي أن يمنحني مطرا, مدركة إن الأمطار قد غزت القطيف ولعل الريح قد تقتلع نخيلنا.
ما قصة المطر في هذا النص والصيف مشتعلا وهو رمز الحياة وتوأم الشتاء, والنار وحدها لا تكفي لمنحنا الدفء, طوبى للمطر كم حاز على قلبي, أيها المطر كثرت أمطارك,وقد همست لي السماء بأن أمطرت سرا لتزداد حيرتي, وإني أكتمك عذابا يطول وتفيض روحي إليك و قد أحببت خيمة العتمة, والليل في الشتاء قصير وهو الذي سقط على وجهي المجهد قبل موعده, ألم يكفيك من الوقت شتاء كاملا لكي تكون على أهبة الوجع, مرات عديدة كنت استجمع فيها شجاعتي وأقرٌب الهاتف إلى إذني, كي أطمئن عليك وأدعو من الله أن يمنحني القدرة على البكاء, كي افرغ كل دموعي قبل أن يصلك صوتي وهو متلبس بجرم الشوق والحنين.
كم هو صعب من لا يعرف قدري وأنا من عشقت القطيف وقهرت الغرور والكبرياء بحبي, ألا سحقا لزمن تختلط فيه أمزجة وأفكار البعض, سحقا لقلوب أوجعتني, أطرقت خجلا حتى كادت روحي تفلت مني, يا إلهي لقد ورثت هذه الأحاسيس من عمق شخصي, كيف هذا وقد ارتجف قلبي قليلا, ولكن لساني أصر أن يسرد بعض أوجاعي, اعذر جفائي رغم إنك دعوتني أن ابتعد كثيرا, إلا إنني من دخولي البعيد رأيتك متفاقما حائرا في صومعة لا تليق بي, وحتى مع وجعي يطيب لي فنجان قهوة يتصاعد منها البخار, والأجمل إنه من يد زوجي لتختفي من خلاله دمعات.
بين الشك واليقين زاوية صغيرة وباختصار إنها غفلة من الزمن, لحظة صادقة تكاد أن تكشف عن شبح زمني يجري بدواخلنا, اضطراب قلبي من تنهدات آهاتي الزفير يتلو لحن الشهيق, وأنا فقط من تأخذها الدهشة والحيرة ليعلن قلمي الحيرة بين السطور و أراهن على لقاء خارج نطاق الزمن, وأنا من طرقت أبواب الغفلة وبصقت على الظلم وعدم الاتزان لأخلاقي, يا إلهي أحيانا أبدو بين سطوري ضائعة وأحيانا تبدو سطوري في حدود الأشياء فاعذروني!!
نحن نحيا ونشعر وجعا على وجع ,وكما أتعبتنا الأشياء الجميلة وهي تقع من السماء علينا, ونحن نحاول الإمساك بأذيالها في زحمة تفيض بالعذابات العتيقة والأوجاع العميقة,وهنا سأمشط خصلات الوجع واتركها تتساقط على كتف الزمن, أريد اليوم توثيق مساحة الوجع عندما يختلط بكامل جماله وأناقته, لنسقطه سهوا كالأصوات الخافتة وأريد أيضا التواصل لحاجتي إلى غيمة ماطرة.
لئلا يسفر هذا المقال عن كثير من الوجع, أستأذنك يا عزيزي القارئ حيث وصفت إحساسي هنا بامتياز منقطع الرحيل! فهل من يكشف لي الغطاء أم أرى خيالا مع واقع هزيل؟
ولأني موجوعة حد الترف هناك سؤال يقتات من أعصابي, لم أجد له إجابة شافية هل يمكن الكتابة في وقت القهر والحزن وهل يا ترى سيطفئ المطر الوجع؟! سؤالي هذا يستدعي رائحة تلك الأيام الصعبة وما تنطوي عليه من اكتئاب داكن, ولكن لماذا أتوجع وفي بلادي مطر هذا يكفي إن كان حقا هناك مطر حقيقي!! نعم لقد أيقظت معنى الحرف بداخلي وتركتني الليلة بلا وجع لأتمتع مع رحيل السهر, كما الليل يخبو بداخلي الوجع فاليوم يوم عرس المطر في قلبي.
كم أنا سعيدة أن أجد من البعض يقرؤني من الداخل ويبحث عن المعنى والمغزى, لا أدري عندما المح تعليقاتكم شيء ما يحفزني ويشجعني لأكتب مجددا, أتقبل مروركم هنا ولو كان على أضلعي وقلبي, وبمروركم يعبئني برائحة ممزوجة بعطور دافئة تهبني الهناء والهدوء التي احتاجها صدقا, أرجوا أن تتقبلوا انحنائي كي تزداد قامتي طولا بمحبتكم.