
للوهلة الأولى كان التدرج اللوني في عمق التحليق للمشهد الصوفي في اللوحة مدهشا ذاك النور الذي يدخل في الظلام ممتدا بثقة التخفف وكأنك تعانق كلمات الحلاج لونًا في فضاءات التحليق للنجاة !!
إعجابي كمتذوقة لسحر اللون كان حاضرا وبشدة ولعمق المعنى الذي أسرني كذلك سألتُ حمزة ببساطة المتلقي وفلسفته في أحيانا كثيرة : ألا يفهم منها أنك قد تُشير للمخلص المنتظر !!؟ ورغم ابتسامته التي تشي بأنه سمع ذلك أكثر من مرة ، أعاد علي اصفير السؤال بتأكيد أصالة الفكرة وماالضير أن تعكس اللوحة ذلك عند البعض بقوله : الاعتقاد بالمخلص المنتظر مسلّم به عند كل الأديان !!
نجحنا في استفزاز حمزة للحديث عن هموم الفنان الخارج عن المألوف في فنه سواء رسما أو تصويرا أو كتابة أو تمثيلا وغيرها و كعادة كل من يحمل همه الفكري والفني ويتكىء على مساحة التقبل للعمل ولزوايا الاختلاف في الرؤى شجعه ذلك الحديث على إخبارنا عن معاناة تقييم الأعمال للفنان وفق معايير قد تكون مجرد ذائقة فتحرم الفنان من إظهار إبداعه والمشاركة بها ، ذلك أن اللوحة قد رُفضت في إحدى المشاركات لأنهم ظنوه يتحدث عن المسيح !!
لسنا هنا بصدد محاكمة زوايا الذائقة والتحليل للمتلقي وكيف بإمكان الجهل بعمق الفكرة أو تقييدها وفق مضامين معينة أن يدمر كل هذا الجمال اللوني البصري المبهر بما يحمله من التفاتات وإن اختلفت ذائقتنا في الاتفاق عليها فإنها ستبقى في دائرة الجمال والدهشة و لا يمكن إلا الاعتراف بها وبحضورها الإبداعي !
هذا التجلي بكل ذلك الوعي بالتكثيف المبهر للمساحة البصرية التي يترك الفنان تأويلها لنا نحركها كما نشاء ! كان حاضرا في لوحة ( عناق روح ) هذا ماشعرتُ به … اللوحة عناق لاينتهي … عناق قادر على أن يجعلك تنجو أن يجعلك حرا متى ماأدركت أنه لاينتهي !! وأنك تعانق الضوء لتتخفف ! وكأنها محاولة للتناغم مع حالة الاغتراب وتعرية الواقع !!
وكأن قاسم حداد حاضرا بقوله :
من الأزرق تخرج عصافير كثيرة
ومن الليلكي تتثاءب أقمار
من اللازوردي تتدافع أحلام الشعوب النشيطة
من الوردي تتباهى الشهوة
تطوي رايات الخجل
وتنشر ألوية الأحمر
من سرور عينيك ابتدئ أنا
كالأسطورة
وأشتاق إليك
كالأبيض للألوان !!
وكأن العمل هو الإعلان عن بداية حياة جديدة تُولد من جديد وتُبعث من جديد لكن عليك أن تبعثها أنت لتنجو بنفسك ليكون الرمز هنا باتساع اليدين لاحتضان الأفق وللقرب من دائرة النور التي تسبح في فضاء الزرقة !!
التدرج اللوني بين الأبيض والرمادي الفاتح والغامق يوحي بالألم والمعاناة وقد يكون دلالة على الخسارات والإكتئاب والعزلة وكل التفاصيل التي يمر بها الإنسان في مرحلة التشافي والتصالح والتداوي نحو السكينة والطمأنينة التي ينشدها !! وهذا حالنا جميعا مابين خسارة وانتصار هناك مساحة للتردد ومحاولة النهوض والبدء من جديد !
أبدعت حمزة في كل ذلك وأشكرك على هذا العمل الذي استفزنا وأنا تحديدا لأعود للكتابة عن مايستوقفني من جمال ولي عودة لبعض اللوحات للفنانين في المعرض بإذن الله …. فخورين بكم