كشكول
2014-01-30

«الباص الكبير» رحلة لاكتشاف دبي

متابعات

وصف الاستثمار باعتباره (أسلوب حياة) مرتبط بشكل نوعي بالأفراد، يتطلب فهم الإمكانيات الثقافية والفكرية للمؤسسات الاقتصادية، لا أن يتحول المشروع التجاري إلى زمنية ربحية، بل لتراكم حضاري، يُنسب للمدينة الاقتصادية.. وقدرة الأخيرة في تأصيل المنهجية التنظيمية التي من شأنها أن تنقل العالم إلى ثقافة معاصرة للاستهلاك النوعي، البعيدة عن استنزاف الموارد، بل توفير الانسجام التفاعلي بين المنتج ورفاهية العيش، وهو أبرز ما حققته مدينة دبي .. ويمكن إعادة اكتشاف ذلك عبر آليات السياحة الاستثمارية التي استقطبتها المدينة، من خلال كبرى شركات العالم، وأقدمها تاريخاً، ومن بينها شركة “الباص الكبير” التي تتخذ من المشاركة في مهرجان دبي للتسوق 2014، امتداداً لمسيرة أكبر مشغل للحافلات المكشوفة في العالم، عبر تعزيز تعدد أطر زيارة معالم دبي من قبل السواح بالدرجة الأولى، مهيئا محطة متجددة للإماراتيين والمقيمين من مختلف الجنسيات، للانضمام إلى مكنونات صناعة السياحة الداخلية .. وحاجة التعرف إلى متغيرات العمق الاجتماعي، وتأثيرها على النهضة العمرانية في المد البصري للثقافة المرئية عبر التوثيق الفوتوغرافي، والمعنية بتشكيل بانوراما الحياة، وتقديم انعكاسات لمراصد البحث العلمي، والتنبؤ بمستقبل الحراك الاقتصادي عربياً وعالمياً.


استثناءات
وفي رحلة استثنائية، استقلت إحدى حافلات “الباص الكبير” التي يصل عددها إلى نحو 25 حافلة، وتسع كل منها لـ 75 راكباً، استقبلنا سائق الحافلة، قائلاً: “أهلا .. أنتم من السعودية ؟”، أجبنا بالنفي، مؤكدين له أننا من الإمارات، جازمين أن التقارب الثقافي وتحديداً الزي الوطني الخليجي، هو من دله لهذا الاعتقاد، إلى جانب أن الإماراتيين، نادراً ما يستخدمون الحافلات السياحية، للتجوال حول معالم مدينة دبي .. وهو أبرز ما تثيره النقاشات النوعية بين السياح على متن الحافلة، ويتكشف ذلك للمتابع من خلال التغطيات الإعلامية للصحف المحلية، حيث وثق فيها الكثير من الصحافيين، مطالبات السياح بأهمية تواجد الإماراتيين والمقيمين العرب، الذي من شأنه أن يعزز أواصر التعارف والتداخل بين الشعوب .. كون هدف السائح هو الولوج إلى عالم التراث والفكر للمجتمع الإماراتي، ويعتبر أن الإماراتيين والمقيمين هم الأكثر موضوعية ومصداقية في طرح ذلك، باعتبارهم الأعلم بدبي وشعابها، بحكم العيش والتجربة.

إيقاع المدينة
الجلوس في الطابق الثاني التابع للحافلة، هو الأمر الأكثر إغراءً للزوار، لمميزات الإطلالة المكشوفة من خلال القدرة الأكيدة للمتابع على معايشة الحراك الخارجي للمدينة، أمام مرمى النظر، إضافة إلى أن فصل الشتاء، الذي عمد القائمون على “دبي للتسوق” على تحديده .. كمناخ خصب لاستكمال المشروع الاستثماري السنوي للمهرجان، يساعد في البقاء خارجاً لأوقات طويلة، ولساعات ممتدة، ويعود الهدف الأهم إلى فكرة أن الطابق الثاني من الحافلة، مطلب رئيسي للسياح من جانب الفرجة المكشوفة والمناسبة للتصوير الفوتوغرافي، على مستوى الزوايا المختلفة لـ “الهارموني” و إيقاع المدينة، خاصةً أن “الباص الكبير” يقدم خطوط سير متنوعة تنطلق من عدة وجهات تسوق موزعة بانسيابية حركة الشراء في المدينة .. والتساؤلات الأهم التي انطلقت عبرها “البيان” من محطة مدينة جميرا _إحدى محطات الباص الكبير_ هي: “كيف سيرى السياح مدينة دبي من خلال عدسات الكاميرا الرقمية، وماذا سيلفتهم تحديداً في شارع الشيخ زايد، ماذا بعد رؤيتهم لتفاصيل النمو العمراني، البنى التحتية، الخدمات الرئيسية، هل سيقررون الاستثمار هنا، وربما العمل، وهل سيوثقون لبلدانهم التحول العصري لبلد خليجي وعربي، باتجاه المنافسة العالمية؟

العين تعشق
في محطة “جزيرة نخلة جميرا” توقفت حافلة “الباص الكبير”، لإنزال الركاب المهتمين بزيارة المكان، حيث أن “الباص الكبير” يوفر خدمة تمتد لـ 24 ساعة، تؤمن التنقل عبر عدة معالم حيوية، وبدأت “البيان” بمتابعة اتجاهات كاميرا السياح، وبديهياً فإن فندق “أتلانتس” سيحظى باهتمام مدهش، باعتبار أن مفهوم التوسع العمراني … وبناء جزر اصطناعية، وتأهيلها بنماذج الترفيه الفندقية، عالية المستوى، منظر يستوجب التوثيق، من خلال الفوتوغرافيا، وبالعودة للاهتمام الدولي بالمنجز العمراني على النخلة، فإن مدينة دبي سعت لبيان أهمية الاستثمار في المجال، مقدمةً مميزات تصب في تسهيلات مالية طويلة الأجل لامتلاك العقارات. وعند البحث في سحر “نخلة جميرا” من أعلى الطابق الثاني لحافلات “الباص الكبير”، يجد الزائر حضور بحر الخليج العربي، مستكشفاً المنظر من وسط البحر، باعتبار أن المشروع نتاج بناء جزيرتين، على شكل شجرة نخيل تضم 17 سعفاً، تحيط بهما سلسلة صخرية قريبة من سطح الماء للحماية، وتمتد كل منهما على طول 5 كيلومترات في البحر، بقطر 5 كيلومترات.

الطرق في دبي
هناك انسجام في بيئة الحياة اليومية، تكشفها الطرق في دبي، ماذا تستطيع (الشوارع) و (الجسور) و (الأنفاق) و منهجية سير المواصلات العامة، من خلال استخدام (المترو) و (التاكسي) و(الحافلات) و”التاكسي المائي” تقديمه لزائر المنطقة؟ تتجه عادةً الإجابة إلى أنها جميعها فرصٌ وأشكال أفضل للتنقل المستدام، وهذا ما تهدف إليه هيئة الطرق والمواصلات في دبي عموماً.. ولكن تحري الدقة في الانعكاس المجتمعي لهذا العمل المؤسسي، يظل هو الأهم، وذلك لأنه في عالم التطبيقات العالمية في مجال الطرق، لدى العديد من الدول المتقدمة، يُعد استثماراً طويل الأمد، كما في دبي، ولكن الأخير تميز بجعل أكثر من 200 جنسية يتعايشون مع الطرق بمنهجية القانون المنظم، وهو مفهوم يُحسب للمدينة.

نسق تاريخي
إضافة إلى التلامس المباشر مع الثراء البري والبحري، وخلال رحلة “الباص الكبير” من محطة “إمارات مول” إلى محطة “دبي مول”، تتناغم تلك الأطروحات السابقة في مزيج من النسق التاريخي، حيث قامت إحدى السائحات بحمل هاتفها المحمول وتصوير ملصق لصورة فوتوغرافية كبيرة، ألصقت على طول إحدى الأبراج التجارية، متضمنة رجلاً يرتدي اللباس الوطني الإماراتي ويحمل علم الإمارات .. وجميعها إضافة نوعية وتوثيق من الزوار أنفسهم، لجماليات دبي، التي فازت أخيراً استضافتها لاكسبو 2020، بمعايير عالية ستبهر العالم، واستيعاب أكثر من 25 مليون سائح، سيبحثون عن قيمتهم الإنسانية، في المساهمة الحضارية لبناء مدن اقتصادية عالمية.

سر “خليفة”
ليس السر في أنه أكبر برج في العالم فقط، أو لاعتبارات مادية وتجارية وسياحية، بل لما يجسده برج خليفة من أيقونة صناعة المدن الصغيرة في المدن الكبيرة. في “الباص الكبير” لم تتوقف كاميرات السياح عن تصوير البرج، وهو فعل طبيعي يبدونه، نظراً لأهمية المنجز العمراني وثقله عالمياً، إلى جانب الشكل والمساحة المتكاملة حول البرج .. حيث تنبه القائمون عليه لهذا البعد، من خلال بناء ساحة مطاعم وفنادق أُطلق عليها “داون تاون”، واهتمت مدينة دبي، بميدان تصميم “الداون تاون” باعتباره فناً من خلال استضافتها لمعرض تجاري، الأول من نوعه، .. وهو معرض “داون تاون ديزاين”، والذي أطلقه منظمو “آرت دبي” و”أيام التصميم – دبي” في عام 2013، ونظمته في نفس منطقة الـ “داون تاون”، بالقرب من برج خليفة، مستهدفين إتاحة فرص الالتقاء وتبادل الأفكار أثناء عرض الشركات المتخصصة لأفضل أعمالها الفنية في المجال. وجاء الحدث تزامناً مع تأسيس مجلس دبي للتصميم والأزياء، لدعم مواهب التصميم المحلية، وتشجيع الصناعات الإبداعية في المنطقة.

خريطة سياحية
“رحلة كل 20 دقيقة”.. الوصول إلى محطة مركز “وافي” بواسطة حافلة شركة “الباص الكبير”، تعيد إلى أذهان المتلقي الخدمة التي تقدمها الشركة، ضمن فعاليات مهرجان دبي للتسوق .. حيث تُسيّر كل (ثلث ساعة) رحلة إلى مختلف معالم دبي، ومنها ديرة سيتي سنتر وبرجمان ومركز وافي ومول الإمارات وسوق الذهب ومدينة جميرا ومتحف دبي وفندق أتلانتس وجزيرة نخلة جميرا، مقدمةً شرحاً مختصراً عن تاريخ المواقع وأهميتها التجارية من خلال ترجمات مختلفة، وتعتبر محطة “وافي” مول، ضمن الخريطة السياحية، محطةً رئيسية .. وما استوقف السياح وقتها تصميم المبنى الخارجي للمركز التجاري، حيث التقطوا صوراً فوتوغرافية للرسومات المنحوتة على جدران المول، والتي تعود للتاريخ الفرعوني التابع لإرث حضاري واستراتيجي عربي، وتزيد معدل الزيارات اليومية لتلك المواقع بحسب البيانات السنوية للشركة، ضمن فعاليات مهرجان دبي للتسوق، حيث جاءت توقعات الزيادة الفعلية لأعمال شركة “الباص الكبير” في عام 2011، بنسبة تتراوح بين 20% إلى 30% .. بينما أكدت مديرة التسويق في الشركة إيناس زهواني، في تصريح نشر في ذات العام، أن الأوروبيين يمثلون أغلبية عملاء الشركة ومعظمهم يأتي من المملكة المتحدة وألمانيا، ويأتي الأستراليون في المرتبة الثالثة. كما أن هناك زيادة ملحوظة في أعداد الأميركيين الذين يستفيدون من خدمات الشركة أيضاً.

مقياس بحثي
النظر من الطابق الثاني لحافلة “الباص الكبير”، شكل متعة مارسها السياح خلال الرحلة، خاصةً عند الدخول إلى الأماكن المغلقة، من مثل الدخول إلى مواقف السيارات بالمراكز التجارية، حيث يتفاعل زوار المركز التجاري مع الحافلة، وشكلها والسياح الذين يرتادونها، رغم قدم اشتغال “الباص الكبير” الذي بدأ في دبي عام 2002، إلا أنه يظل يمتلك رونقاً خاصاً. وبالمقابل فإن هناك العديد من الشركات في المدينة التي تعمل بنفس المجال، وذلك لزيادة الطلب السنوي، بالتوازي مع النهضة العمرانية والاقتصادية للمدينة، لذلك فإن البحث التسويقي للشركات المتخصصة في مجال الجولات السياحية، هو رهان استمرار عملهم في مدينة متغيرة مثل دبي، وأكثر ما تؤكد عليه تجربة “الباص الكبير” هي أهمية استثمار دائرة السياحة والتسويق التجاري لموقعها التنظيمي من جهة، والبحثي من جهة أخرى .. حيث ستقدم الدراسات العلمية مفاتيح متجددة لرواد السياحة والتجارة في دبي، بتحديد مدى الإمكانيات المتاحة على مستوى الموارد البشرية والكفاءات وعدد الزوار وأشكال تفاعلهم في المنطقة، وبالتالي تتخذ الشركات من المرجعية العلمية مقياساً نسبياً للاستثمار السياحي في دبي.

المحطات الأخيرة
بعد التطواف النوعي للمحطات الأخيرة من رحلة “الباص الكبير” مروراً على شارع الضيافة ومركز “مركاتو” وحديقة الحيوانات ومسجد زعبيل الكبير، مثل الوقوف عند “شاطئ جميرا”.. محطة فريدة من نوعها، فعند التمعن في منظر البحر .. كمقصد ترفيهي يحقق الاستجمام الصحي، يأتي مشهد حضور العائلات الأجنبية من مختلف دول العالم، أمراً لافتاً، وعبر حافلة “الباص الكبير”، شهدت “البيان” المنظر والحافلة تتحرك بانسيابية من الطابق الأرضي، لنتساءل كيف استطاعت مدينة دبي، في عمر قصير، تعزيز النسيج الاجتماعي، وكيف يمكن استثمار هذا التنوع في تحقيق استمرارية تؤهل مرحلة متقدمة في بوادر الإنتاج النهضوي للمنطقة، حيث لا تكتفي بمرحلة صناعة منصة عالمية، بل المساهمة الإنسانية في تأسيس رافد اقتصادي واجتماعي وثقافي، يحقق رفاهية إنسانية بالدرجة الأولى، وتصدر للدول العالم.

العودة من دبي
بعد عيش تجربة حافلة “الباص الكبير”، يتوصل الزائر إلى أهمية إعادة اكتشاف دبي بين الفينة والأخرى، وهو أمر لا يتعلق فحسب بالسواح أنفسهم، بل بكل من يقطن مدينة دبي، والإمارات بشكل عام، لما للسياحة الداخلية، من دور في تنشيط الوعي بمفاهيم تطور المنطقة ومستقبلها النوعي. وصلت حافلة “لباص الكبير” عند مدخل مدينة جميرا، وينتظر في المكان المخصص سواح جدد، يودون عيش التجربة، حينها انتهت زيارة “البيان” المختزلة، لأهم الجولات السياحية في مدينة دبي عبر شركة “الباص الكبير” إحدى أبرز فعاليات مهرجان دبي للتسوق.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى