وطن
2014-02-05

خُضرة «حلة محيش» تتآكل

حلة محيش – معصومة المقرقش

«حِلًّة مُحَيش»، إحدى قرى المنطقة الشرقية، قلما يتردد ذكرها، تعاني اليوم كشأن بقية القرى والبلدات الريفية، انحساراً في الرقعة الزراعية، نتيجة تحويل معظم مُلاَّك البساتين أجزاء من مزارعهم إلى ملاعب واستراحات ومنتجعات، ومخططات سكنية. كانت البلدة محدودة السكان والمساكن في الماضي، لكنها سرعان ما شهدت تسارعاً في النمو السكاني والعمراني بشكل ملحوظ؛ فظهر الزحف الإسمنتي على الأراضي الزراعية في البلدة، بعد زيادة عدد السكان مما ترتب على ذلك زحف سكاني على الأراضي الزراعية وإهمال للأراضي الزراعية بهدف استخدامها وتحويلها لمناطق سكنية جديدة.

وتمثّل البلدة صورة نموذجية لما كانت عليه القرى والبلدات الريفية ولما آلت إليه. خُضرة تتآكل، وإسمنت يتوسع. طبيعة تنحسر، وتدخّل بشري يجور. جمال يذهب، وأصباغ تأتي. وهكذا يفعل سرطان «التمدّن» في المساحات الخضراء، مُزيحاً عن الأرض أهم ملامحه الجغرافية والسكانية والطبيعية.

 

الشعلة: سوسة النخيل واستراحات حفلات الأعراس وبرك السباحة وراء تقلص البساتين.

الصفواني: ردم المصارف الزراعية سيشكل مشكلة حقيقية في كيفية التخلص من مياه المزارع.

 

169 بستاناً

الباحث التأريخي علي سعيد الشعلة لديه كثير مما يعرفه عن القرية التي تُعرف أيضاً بـ «الحِلّةْ». وقال لـ «الشرق»،إنَّ عدد البساتين الصالحة للزراعة في قرية حلة محيش تقلصت خلال 25 عاماً ماضية من 169 بستاناً إلى أقل من 148 بستاناً. وذكر أنَّ عدد نخيلها قبل خمسين عاماً يقدر بـ 37 ألف نخلة، علاوة على أشجار الفواكه والخضراوات المتنوعة، وتكثر فيها عيون المياه القوية مما ساهم في وفرة الإنتاج الزراعي وتنوعه، مشيراً إلى أن عدد نخيلها اليوم يُقدر بـ 20 ألف نخلة.

زكاة النخيل

وأضاف أنَّ عدداً كبيراً من المؤرخين والباحثين منهم الشيخ مُقبل الذكير عندما كان مديراً لأملاك الدولة في الأحساء أوائل الستينيات من القرن الماضي، ذكر أن عدد بساتين نخيل الحلة عام 1362هـ 169 بستاناً يملكها الأهالي تعدادها 32360 نخلة، زكاتها 12454، فيها أملاك لبيت المال الجديد 4 بساتين ضمانها 297، 28 روبية، ومن تطرق إلى ذلك أيضاً علّامة الجزيرة حمد الجاسر قائلاً: «من قرى القطيف بين النخيل، وهي ذات نخل يقدر بنحو خمسة وعشرين ألف نخلة».

زحف عمراني

وأرجع الشعلة السبب إلى الزحف العمراني على الأراضي الصالحة للزراعة خلال الأعوام الماضية، مما يستوجب قطع الكثير من الأشجار والنخيل، بالإضافة إلى إهمال القطاع الزراعي، الذي يعود إلى تغير نمط الحياة وظهور كثير من المهن، وتوجه سكانها إلى القطاعات الأخرى، منها التقنية والتعليمية والتجارية والنفطية وغيرها، مما ساهم في اندثار كثير من البساتين وإهمالها؛ لأنها لا تدر المال الوافر بل إن صاحبها يدفع المال الكثير في إصلاحها، ولا يكاد يجني حتى نصف مصاريفها منها.

الاستراحات

كما أرجع الشعلة تقلص عدد البساتين إلى ظهور الاستراحات التي تُشيد من أجل إقامة حفلات الأعراس، وبرك السباحة التي تؤجر يومياً للعوائل، هدفها الأساسي الاستثمار والربح المالي، لافتاً إلى أن عدد الاستراحات في محيط الحلة حوالي 50 استراحة معظمها قليل الخضرة لا تكاد ترى نخلة أو نخلتين إلا للزينة.

سوسة النخيل

وقال إنَّ سوسة النخلة أيضاً من الأسباب التي أدت إلى قتل كثير من نخيل الحلة، مشيراً إلى أن تقلص أعداد البساتين قابل للزيادة خلال الأعوام المقبلة، بسبب ارتفاع أسعار الأراضي بشكل كبير، وزيادة عدد سكان القرية، ولو أن في الوقت الراهن قد أوقف تخطيط تلك الأراضي من قبل البلدية.
وحول ما إذا كانت قرية حلة محيش الأقل من بين قرى محافظة القطيف التي فقدت مساحتها الزراعية، أوضح الشعلة أن الأمر يعتمد على عدد سكان كل قرية وطبيعة ذلك التمدد؛ فكلما كان عدد السكان أكبر ازداد التمدد العمراني والعكس، وأن مساحة حلة محيش الآن بالنسبة إلى الأراضي الزراعية تمثل 17 مرة على أقل تقدير.
ودعا الباحث الشعلة إلى ضرورة الاهتمام بما تبقى من ثروة زراعية؛ لسلامة وصفاء الجو ونقائه من جهة، والمحافظة على الغطاء الأخضر الذي ميز القرية منذ عقود طويلة من جهة أخرى.

الصرف الزراعي

وبين أن مشروع ردم قنوات الصرف الزراعي في الحلة بدأ عام 1430، بإغلاق هذه المصارف الزراعية، بعمل قنوات إسمنتية تحت الأرض، بهدف المحافظة على البيئة من أخطار التلوث، وحتى لا تكون مرتعاً للجراثيم، وأخطار سقوط المركبات، وأن أول المصارف الزراعية التي أغلقت هي القريبة بين الخويلدية والحلة، وهو المصرف الشمالي، مشيراً إلى أن هذه القنوات التصريفية عُملت لها خطط على مدى 20 عاماً لكي تردم.
وأوضح أنّ هذه المصارف توجد من جهة الشمال والجنوب والشرق والغرب وتقدر بأربعة مصارف طويلة تبلغ أكثر من 7 كيلومترات تقريباً، مشيراً إلى أن فاضل المياه الزراعية تتسرب إلى القنوات الصغيرة -الضلع- ومنها إلى مياه المصرف الكبير، إلى جانب تسرب مخلفات المياه الزائدة من خزانات الري في فصل الشتاء، ومياه منازل القرية التي تصب في المجاري، التي تفلتر قبل وصولها إلى مياه الصرف.

حياة متنوعة

وقال الشعلة إنَّ جميع هذه المياه تتجه من الصرف الصحي، إلى مياه البحر مباشرة، وبداخلها أسماك متنوعة، منها البلطي والحراسين -سمك صغير- وهي أسماك خالية من الملوحة، كما يعيش على ضفافها الضفادع وبعض الطيور المعششة بكثرة كـ «دجاجة الماء»، كما كانت الحشائش تنمو على ضفتي المصرف، ومنها القصب، والعواقيل والقضقاض والأفل ويسمى -الطرفة-، والحوا، منوهاً إلى أن المصرف عادة ما يمتلئ بالمياه في الفترات العادية بين النصف متر والمتر الواحد، وعند هطول الأمطار تصل المياه فيه إلى أربعة أمتار، مضافاً إلى أكثر من 200 قناة صغيرة تملأ بالمياه، مما يؤدي إلى ارتفاعها.

مشكلة بيئية

من جهته، قال عضو غرفة الشرقية لـ«الشرق» جعفر الصفواني، إنَّ الاستمرار في عملية ردم المصارف الزراعية سيشكل خلال السنوات المقبلة مشكلة حقيقية في كيفية التخلص من مياه المزارع التي لا مصرف لها بعد هطول الأمطار الغزيرة، مما قد يتسبب في حبس المياه في التربة «رطوبة الأرض» التي ستؤثر سلباً على الزراعة.
وأضاف الصفواني: «في السابق كانت الطيور المهاجرة تأتي لتتغذى على الكائنات الموجودة في المصارف الزراعية، ولكن بعد البدء في عملية الردم قلت النسبة بشكلٍ واضح جداً؛ حيث لم يتبقَ منها سوى 1% فمثلاً لو كان يأتي في السابق نصف مليون طائر، فإنه الآن لا يأتي إلا 2500 طائر فقط».
وأشار إلى أنه لو بقي الوضع على ما هو عليه لمدة سنتين ستشهد القطيف موت جميع أشجارها، وهذا قتل للبيئة بشكل واضح، وهو ما نعترض عليه.

المساحات الزراعية في القطيف بين عامي 1402 و 1423:

1402: 845782 هكتاراً
1423: 5774 هكتاراً
التغير السنوي: 1278 هكتاراً
المصدر: وزارة البترول والثروة المعدنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى